الإمام الحسين حافظ بنهضته على انحراف الأمة ليس في تاريخ الإسلام من هو أكثر عائدة ولطفا وفضلا على الإسلام من الإمام الحسين (عليه السلام) فهو المنقذ والمجدد لهذا الدين العظيم، الذي أجهزت عليه السياسة الأموية، وتركته جريحا على مفترق الطرق تتحداه عوامل الانحلال والانهيار من الداخل والخارج، ولم يعد أي مفهوم من مفاهيمه الحية مائلا في واقع الحياة العامة للمسلمين، قد جمدت طاقاته، وأخمد نوره وانتهكت سننه، ولم يبق منه سوى شبح خافت، وظل متهافت قد أعلنت السلطة في منتدياتها العامة والخاصة أنه لا دين، ولا إسلام، ولا وحي، ولا كتاب، يقول يزيد بن معاوية: لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل ويقول الوليد بن يزيد: تلعب بالخلافة هاشمي * بلا وحي أتاه ولا كتاب (مروج الذهب 3 / 149). وإذا استعرضنا ما أثر عنهم في هذا المجال فلا نجد إلا الكفر والإلحاد والمروق من الدين، وقلما نجد منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر أو يرجو وقارا للإسلام. انه - من دون شك - لم يدخل أي بصيص من نور الإسلام في قلوبهم ومشاعرهم، وإنما ظلت نفوسهم مترعة بروح الجاهلية ونزعاتها، لم تتغير فيهم أي ظاهرة من ظواهر الكفر بعد إرغامهم على الإسلام، فكانوا يحملون الحقد والعداء للرسول (صلى الله عليه وآله) ويكفرون بجميع ما جاء به من هدى ورحمة للناس. رأى الإمام السبط الغزو الجاهلي الذي اجتاح العالم الإسلامي، وما منيت به العقيدة الإسلامية من أخطار هائلة تنذر بالردة الرجعية والانقلاب الشامل وتخلي المسلمين عن عقيدتهم ودينهم، فان السلطة الأموية كانت جاهدة في مسيرتها، وجادة في سياستها على استئصال جذور هذا الدين وإزالة ركائزه وقواعده، وقد تخدر المسلمون بشكل فظيع نتيجة أوبئة الخوف المفزعة التي انتشرت فيهم، وما طعمتهم به السياسة الأموية من روح الخيانة والغدر، فلا صوت يصدع بالإصلاح، ولا طبل يدق للحرب، ولا وازع، ولا رادع ولا زاجر لما كانت تصنعه الطغمة الحاكمة من المخططات الرهيبة الهادفة إلى استعباد المسلمين وإرغامهم على ما يكرهون. رأى الإمام أنه المسؤول الوحيد أمام الله، وأمام أجيال الأمة إن وقف موقفا سلبيا تجاه هذه الأوضاع المنكرة ولم يغير ولم يبدل، ولم يفجر ثورته الحمراء التي تعصف بالاستبداد وتهدم صروح الظلم والطغيان وتقود الجماهير إلى ميادين الحق والعدل... وقد أدلى الإمام (عليه السلام) بذلك في خطابه الرائع الذي ألقاه على الحر وأصحابه من شرطة ابن زياد قائلا: " أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا عهده، مخالفا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله، ألا إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله... " (تاريخ الطبري). إن هذه العوامل الخطيرة هي التي حفزت الإمام على الثورة والخروج على النظام القائم الذي استباح كل ما خالف كتاب الله وسنة نبيه.
لقد أمعنت السلطة الأموية في اضطهاد الناس وإرهاقهم، واعتبرت القطاعات الشعبية بستانا لها تتحكم في مصائرها ومقدراتها، وتستنزف ثرواتها فتنفقها على ما يثير الشهوات، ويفسد الأخلاق من أجل ذلك ثار الإمام لينقذ الأمة، ويعيد لها كرامتها وأصالتها.
بعدسة: محمد الصواف
|